تشاء الأقدار، أن يتزامن هجوم "القاعدة"، على الثكنة العسكرية في باسكنو، مع تخرج دفعة جديدة من ضباط الجيش الوطني، حملت إسم النقيب محمد ولد أحمد محم.
حكاية الرجل بسيطة، فهو واحد من شهداء كثر، غصت بهم ذاكرة صراعنا، مع تنظيم، أقحم نفسه فجأة، ودون سابق إنذار، في تفاصيل حياتنا اليومية.
حاسي سيدي، غير بعيد عن باسكنو، هناك سقط النقيب الشهيد، في ليلة باردة، بذل فيها، آخر الرجال الشرفاء دماءهم، من أجل الذب عن حمى هذا الوطن.
ولأننا أمة لا تنسى شهداءها، فقد أردنا أن نخلد ذكرى الرجل، في احتفالية تليق بمقام اللحظة.
لكن تنظيم القاعدة، الذي قطع على نفسه عهدا، بأن ينقص علينا عيشتنا، أراد أن يحرمنا، حتى من البكاء على شهدائنا، والترحم على أرواحهم.أنقشع غبار معركة باسكنو، وتزاحمت الأسئلة على شفاهنا ، ونحن الذين بالكاد، تخلصنا من هواجس أخرى ، ما زالت غابة وغادو، تخفي الكثير من ملامحها.
لماذا اختارت القاعدة الهجوم في هذا الوقت بالذات ولما تجف بعد دماء غابة وغادو؟
هل ينم هذا الهجوم، عن ولادة مرحلة جديدة في الصراع مع التنظيم؟
وكيف استطاعت عناصر القاعدة الوصول إلى مدينة باسكنو دون أن يتم رصدها؟
ذلك مجرد غيض من فيض أسئلة كثيرة، تستدعي التوقف عندها و البحث عن إجابات سريعة لها، حتى نضع النقاط على الحروف.
ومع أن الوقت ما زال مبكرا، للحصول على أجوبة جامعة مانعة، إلا أن ذلك لا يجب أن يقف حائلا بيننا وبين عملية استخلاص الدروس والعبر، من هجوم باسكنو:
1-إن هجوم "القاعدة"، في هذا الوقت بالذات، يستدعي منا، إعادة قراءة البيان الأخير، الذي أصدره التنظيم، بشأن معركة وغادو.
فقد حاولت "القاعدة"، في بيانها ذاك، أن تظهر بصورة المنتصر، في تلك المعركة.
ولأن المنطق يقول إن المنتصر، يمنح نفسه عادة، الوقت الكافي، للانتشاء بانتصاراته والتقاط أنفاسه.
فإن استعجال التنظيم في رده، وبطريقة غير محسوبة، كلفته الكثير من الخسائر، تؤكد بما لا يدع مجال للشك، أن ما حدث في غابة وغادو، يختلف كليا عن رواية القاعدة، بل وشكل ضربة موجعة لها.
كما أن حديث التنظيم، عن ما اسماه ب "رد العدوان"، لتبرير هجومه، يشي بأن ما تضمنه البيان المذكور كان أقرب للحرب الإعلامية، منه للحقيقة.
2-لا شك أن القاعدة، كانت تدرك جيدا، المخاطر الكثيرة، التي تنطوي علبها هذه العملية.
فهي خير العارفين، بان ثكنة باسكنو، لا تبعد كثيرا عن المنطقة العسكرية في النعمة، وأن هذه الأخيرة، تتوفر على قاعدة جوية.
وهو ما يشكل، تهديدا حقيقيا للمهاجمين، خاصة وأن المعركة، تدور في أرض مكشوفة.
كما أن التنظيم، على دراية تامة، بتواجد قوات موريتانية داخل الأراضي المالية، مما يجعل، احتمال أن تهاجمه، تلك القوات ، من الخلف، قائما، أو على أقل تقدير، أن تقطع عليه طريق العودة.
ومع ذلك، أصرت القاعدة، على القيام بهذه العملية، في مشهد أشبه ما يكون، ب"الكاميكاز" اليابانيين، خلال الحرب العالمية الثانية
هذه الوقائع تشير إلى أن التنظيم، ضاق ذرعا بالحرب الاستباقية، التي يشنها عليه الجيش الموريتاني، والتي استنزفت قوته وقطعت موارد رزقه، ولم تترك له من خيار آخر سوى اللجوء إلى هذه المغامرة، في محاولة يائسة، لنقل المعركة إلى الأراضي الموريتانية.
وبهذا المعنى، يمكن تصنيف معركة باسكنو، في خانة الحرب النفسية، التي تهدف إلى إيهام الرأي العام الوطني، بأن "القاعدة"، ما زالت لديها القدرة، على تحديد مكان وزمان المعركة، حتى ولو كلفها ذلك، الكثير من الخسائر.
هي إذن الحرب النفسية في مواجهة الحرب الاستباقية، وتلك ملامح مرحلة قادمة من الصراع، تؤكد كل المؤشرات، على أنها ستكون حبلى بالأحداث.
3-لعل السؤال، الذي سيؤرق الموريتانيين كثيرا، خلال قادم الأيام، هو كيف استطاعت أكثر من عشرين سيارة، أن تتسلل عبر الحدود، وتصل إلى مشارف مدينة باسكنو، دون أي يتم رصدها؟.
ويصبح هذا السؤال مشروعا، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار، التواجد العسكري والاستخباراتي المكثف، في تلك المنطقة.
قد يكون الحصول على جواب لهذا السؤال، أمرا مستعصيا، باعتبار أن هناك مسائل، تدخل في إطار الأسرار المرتبطة بالأمن والدفاع.
لكن هذه المسألة، تستحق الطرح، و تقتضي من القائمين على الشأن العسكري والأمني في البلاد، إعادة ترتيب أوراقهم، حتى لا يتكرر ما حدث في باسكنو، في مواقع أخرى.
قطعا ليست لك، هي كل الأسئلة،
قطعا ليست هذه، هي كل الأجوبة،
وقطعا لن تكون موقعة باسكنو، هي آخر المعارك،لكن المؤكد، هو أن جانبا كبيرا، من أسطورة "القاعدة"، التي لا تقهر، تحطم على أسوار، ثكنة باسكنو
0 التعليقات:
إرسال تعليق